الناصرة ـ 'القدس العربي' أعدّت صحيفة 'معاريف' العبريّة تقريرا شاملاً عن الأوضاع الأخيرة في سوريّة، واختار المحلل السياسيّ، بن كاسبيت، التطرق أولاً إلى أنّه في بداية الشهر الماضي ظهر سفير الولايات المتحدة في دمشق، روبرت فورد، أمام لجنة خاصة بمجلس الشيوخ، لافتًا إلى أن الاضطرابات في سورية استمرت أكثر من أربعة أشهر، دون أي تغيير من جانب النظام السوري أو من جانب الأسرة الدولية، ولكنّ فورد سمح لنفسه بأن يكون متفائلاً، فقد قال فورد إنّه حان الوقت لأن نبدأ بالتفكير باليوم التالي للأسد، وأشار المحلل الإسرائيليّ إلى أنّ 23 مليون مواطن سوري بدأوا منذ الآن يفكرون بذلك.
أمّا الاختصاصيّ بالشأن السوريّ، البروفيسور إيال زيسر، فقد قال إنّه إذا كنا قبل سنتين واثقين من أن نظام الأسد سيبقى إلى الأبد، فاليوم بات هذا بلا ريب واقعا آخر، وأضاف: كل شيء لا يزال مفتوحًا، الأسد يقاتل في سبيل حياته، وهو نازف، ولكنه لا يزال صامدًا، لا يوجد تفكك تام، اليوم من الواقعي الحديث عن اليوم التالي، فنحن في وضع لم يعد يفاجئ أحدا، ولكنّي أتردد في أن أقول إننا قريبون من ذلك، على حد تعبيره.
لافتًا إلى أنّ صورة الاحتجاج في سورية ليست الأقلية العلوية (التي تبلغ نحو 12 في المائة) ضد باقي الدولة، وتابع: نصف السكان السوريين هم مع الأسد، الدروز والمسيحيون يفضلونه على الآخرين، هم يفضلون حكما علويا علمانيا برئاسة بشار الأسد على حكم الأغلبية السنية، تاجر مسيحي في دمشق لن يقاتل من اجل بشار، ولكنّه لن يخرج للتظاهر ضده، قال البروفيسور زيسر، وأضاف: أجزاء كبيرة من السوريين تُفضّل أنْ يبقى، وفي أوساط السنة أيضًا لا يسارع الجميع إلى التغيير، فالسنة في المدن الكبرى، ولا سيما في دمشق وحلب، يشكلون القطاع التجاري، وقد تحالفوا مع الحكم العلوي ويسرهم الاستقرار الذي يتيح لهم مواصلة نمط حياتهم، تخوفهم هو بالطبع من سيطرة التيار الإسلامي، مشددًا على أنّ قصة محيط فقير حيال المركز الغني، على حد قوله.
البروفيسور زيسر يُقدر بأنْ يحتمل أن يتصاعد العنف، ولكن سورية لن تنتقل إلى حرب أهلية. وزاد قائلاً: أنا لا أرى سيناريو انقلاب بلاط، الحكم العلوي يعرف بأنّ المشكلة ليست لدى بشار نفسه، بل في طبيعة الحكم، على حد قوله. وبحسبه فإنّ رأي إسرائيل في بقاء الأسد أوْ لا غير ذي صلة، لأنّ الوضع ليس في يدها، ومع ذلك، فإنّه يُقدّر بأن ّسقوط بشار من شأنه أن يعرض للخطر الهدوء على طول الحدود السورية.
من ناحيته قال د. يهودا بلنغه، من قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بار ايلان، إنّ ما أسماها بمذبحة 1982 كانت ذروة تمرد بدأ في العام 1976، ذلك أنّ انتفاضة الإخوان المسلمين استمرت ست سنوات، في حينه أيضًا، قال بلنغه، تحدثوا عن اليوم التالي للأسد، حافظ الأسد. قالوا إنّه لن يخرج من هذا، ولكن بعد أحداث حماة انتعش الأسد من الأزمة بل وخرج معززا.
وعبّر المحلل عينه عن اعتقاده بأنّ التغيير السلطوي في سوريّة ليس واقعًا منتهيًا، وقال: يحتمل أنْ يمر وقت طويل إلى أن يحدث التحول الذي يريد الأمريكيون والأوروبيون أن يروه، فالأسد، أضاف، يستخدم أساليب قمع وحشية، فظيعة، ولكن في نهاية المطاف ينجح في البقاء، فهو يقمع بعنف البؤر الأساسيّة، ولا يسمح للأحداث بالانتقال إلى دمشق نفسها. حلب أيضًا، المدينة الثانية في حجمها في سورية، بقيت هادئة.
وبحسبه، فإنّ الحكم العلوي يسيطر في دائرتي القوة الرئيستين، ولكن الدائرة الثالثة التي تسيطر في وحدات مركزية في الجيش، يديرها مسلمون سنة تحالفوا مع حزب البعث. وهم منفذو إرادة الحكم، وهؤلاء يتلقون رواتب عالية جدًا، وبالتالي من ناحيتهم هذا النظام هو نظام جيد.
وزاد: نحن لا نرى كل السنة يقاتلون ضده، ولكننا نرى أنّه ينجح في أنْ يُخرج من الباقين مئات آلاف الأشخاص في مظاهرات تأييد في دمشق، ليسوا جميعهم علويين. هذا النظام يؤدي دوره في نظرهم، وهم يواصلون العيش ولا يتضررون من النظام، على حد وصفه. وأشار د. بلنغه إلى أنّه مؤخرًا نفّذ الأسد تغييرات في القيادة الأمنية، وزير الدفاع علي حبيب أُطيح من منصبه، وبدلاً منه عُين رئيس الأركان داود رجحة، وبرأيه فإنّ اختيار رجحة، ضابط عديم الأهمية ظاهرًا، لم يكن بالصدفة، فرجحة هو المسيحيّ الأول الذي يُعين في المنصب الرفيع، وفورًا عيّن الأسد في منصب رئيس الأركان جاسم فريج، مسلم سني من مدينة حماة، وهكذا سعى إلى الإشارة بأنّ سلطته هي عمليًا فوق خلافات الرأي الطائفية، وألمح للأقليات بألا تغريهم المغامرات. د. بلنغه يرى إمكانية حدوث انقلاب بلاط في سورية، فقط إذا ما وصلت محافل داخل الطائفة العلوية إلى تسوية ما مع السنة، تُغير تماما طبيعة الحكم في الدولة، على حد تعبيره.
أمّا في ما يتعلق بالمستقبل فقال د. بلنغه إنّه لا يعتقد بتحقق سيناريو تصبح فيه سورية بعد الأسد ديمقراطية، وأضاف: أنا لا أعتقد أنّ الشعب السوريّ ناضج لذلك، أفترض أن منظمات المعارضة التي دعت إلى تغيير وطني ديمقراطي، ستحاول العمل، ولكن، استدرك الخبير الإسرائيليّ قائلاً: بين إسقاط النظام وبين تثبيت الوضع في اليوم التالي، كل شيء يمكن أن ينهار، من الصعب التخمين ماذا سيحصل هناك، لافتًا إلى أنّ الأكراد مثلا ينتمون إلى تحالف معارضة النظام. الأكراد، الذين هم 10 في المائة من السكان، يتطلعون إلى الحكم الذاتي، ولكن من غير المعقول أن السنة الذين يحلمون بسورية الكبرى، سيسمحون لهم بالانفصال لإقامة كيان سياسي، وخلص إلى القول إنّ تركيا هي الأخرى بالطبع، سترى في مثل هذا السيناريو تهديدًا مباشرا عليها، الأمر الذي سيؤدي إلى تضعضع الاستقرار.
على صلة بما سلف، عبّر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقًا في الجيش الإسرائيليّ، الجنرال في الاحتياط أهارون (زئيفي) فاركاش عن رفضه المقولة إنّه يوجد تقاطع مصالح بين الدولة العبريّة وحزب الله وإيران في قضيّة بقاء الرئيس السوريّ في الحكم، وقال في مقابلة مع القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيليّ الخميس، إنّ موقف إسرائيل من الأسد لم يتحدد حتى الآن، واقترح على الجميع عدم الانجرار وراء الإشاعات التي تقول إنّ تل أبيب معنيّة بأنْ يبقى الأسد في الحكم، لافتًا إلى أنّه في ضوء انعدام اليقين، من الصعب القول إنّ بقاء الأسد سيخدم المصلحة الإسرائيلية.
وزاد أنّه هناك فئات داخل الدولة العبريّة تعتقد بأنّ الحفاظ على الوضع القائم قدر الإمكان هو الخيار الأفضل، وذلك لأنّه يدفع النظام السوري إلى الانشغال في الشؤون الداخلية، ويخلق توترا في أوساط حلفائه الطبيعيين أيضا: إيران، حزب الله وحماس، على حد تعبيره.
qar
qpt
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق