الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

جرينوار السوري ..عن محاكم التفتيش والتعذيب للسوريين

مروان العياصرة
أساطير الموت، هي الأكثر خلودا من أي أساطير أخرى، ودائما في كل عصر، يعاد إنتاج أحد أبطال هذا النموذج من مخترعي الموت الأسطوري، تماما كما فعل البابا جرينوار التاسع حين أنشأ في أوائل القرن الثالث عشر عام 1233 محاكم التفتيش، لتخلق الموت بما لا يشبه أي موت آخر، فالمهرطقون الذين خالفوا التعاليم وانحرفوا عن العقيدة الرسمية كانوا يساقون بالشبهة أو الوشاية إلى محاكم التفتيش التي ضاقت بها البلاد والأمصار..
التهمة مهياة لكل أحد، والاعتراف بالجريمة التي ربما لم تُقترف، أو الذنب الذي لم يرتكب حتمي، وليس سوى التوبة من طريق، والذين لم يتوبوا كانت لأجسادهم أن تنال نصيبها من الموت البطيء، بالمحرقة أو بأي بطئ كان.
جرينوار السوري الجديد، الذي انشأ محاكم التفتيش والتعذيب للسوريين تجاوز منحة التوبة، فكل الشعب السوري مدان، والتوبة لا تعفي أحدا من العذاب أو الموت، لهذا تبدو كلمة ( لا عودة للوراء )، أكثر تفسيرا وتوضيحا، لأن خلف أبواب هذا الوراء ابواب محاكم التفتيش التي لا تهب التوبة ولا تقبل بالعفو عما سلف، والذين يبرأون إلى الأسد بخطيئتهم إنما يقرأون شهادة موتهم، فكيف لهذا الشعب أن يعود للوراء لتغلق عليهم أبواب الجحيم، وأبواب محاكم التفتيش التي تجاوزت بضراوتها محاكم جرينوار، والذي يفسر هذه الإرادة للشعب السوري على مواصلة طريق الموت هو أنه ليس لهم ما يخسرونه بعد أربعة عقود ونيف من القمع والاستبداد وتغييب الحرية والسطو على كرامة الناس، حتى الموت ليس خسارة ما دام الموت الحاضر يصنع مستقبلا مختلفا.
الذي يحدث في سوريا أكبر من مجرد مواجهة متظاهرين، وأعنف مما حدث في ليبيا، إنها حرب، والذين قالوا إن بشار الاسد يذهب بسوريا إلى الحرب تأخروا، فالحرب وقعت والموت بالمجان على أرصفة الحارات وفي أزقة المدن وفي المدارس التي تحولت إلى سجون ومحاكم تفتيش ومقاصل كبيرة.
سوريا والسوريون بين مؤامرتين، الاولى ما لفقها النظام باسم المؤامرة الخارجية، والثانية المؤامرة الداخلية التي لفقها أيضا النظام باسم الإرهاب والمجموعات الإرهابية، وكأن قتل الآلاف ليس مؤامرة دموية، او ان تحويل سوريا إلى سجن مغلق ليس مؤامرة، وكان التعذيب واستهداف الأطفال واغتصاب النساء، واستخدام الشيوخ والعجزة رهائن وأدوات ضغط ليست مؤامرة.
على أقل تقدير كي نفهم ان كل الذي يحدث في سوريا مؤامرة عليها كان حري بهذا ( الأسد ) الذي ناضل عقودا بأفكار القوميه والعروبية ضد الليبرالية المتوحشة أن يناضل أيضا بمركزه كرئيس من أجل أن يستبقي بعض الدم للسوريين ليعيشوا به ويدافعوا عن أفكار القومية العربية المزعومة في سوريا.
ماذا لو كان بشار الاسد صادقا في عروبته وقوميته وأعلن قبل كل هذا الدم المسفوح أنه وانتصارا للشعب ولسيادة سوريا وقوميتها وبعثيتها يعلن تنحيه عن السلطة، وتشكيل مجلس وطني للحكم مثلا حينها سنقول بملء أفواهنا ان سنوات الصدح بالقويمة لم تكن مزورة، وأن النضالات السياسية لم تكن ديكورات لحواشي النظام. فات الأوان.. والدم فضح كل شيء، وسرعة جريانه تعلن انه ليس كافيا إعلان التضامن مع سوريا، إن هذا يشبه التضامن مع المتوفى واهله بإكليل من الزهور يوضع على قبره، وكأننا بمثل هذا المعنى التضامني نقول للضحية نحن متضامنون معك، سنقيم لك المسيرات والمظاهرات ونقرأ الفاتحة على الروح أمام السفارات.. أيها الشعب السوري موتوا بهدوء.. فنحن العرب وهذا العالم الذي يعلن الشجب والاستنكار متضامنون معكم للحد الذي تبح به أصواتنا.. الذي يفرض كل هذه القسوة في سوريا ليس النظام وحده، بما تتخلَّق أمامه النهايات المأساوية لنظامه، بل إن ثمة لاعب آخر، يشكل النظام الإيراني عموده الفقري، من حيث ما يواجهه في داخله من ارتفاع منسوب النقد والتنديد ومجاوزة قدسية الدولة الدينية، وما سيواجهه من خارجه من هدر لمصالحه وضعف لمكانته إذا ما سقط النظام السوري، مما يغلق الباب السوري الجنوبي لإيران.. ويفتح الباب السوري الشمالي لتركيا.
هذا الذي يختلف فيه الراهن السوري عن أي راهن عربي آخر على صعيد الثورات، شعب واحد يواجه عسكرة دولتين وشبه دوله أخرى، فلا غروا إذن ان يكون كل هذا الدم والقتل، ولا غروا ان تكون الحرب في سوريا مفتاح لاشتعال حرائق أخرى.
إذا كانت محاكم التفتيش علامة على العصور الوسطى، وجرينوار التاسع علامة على أسطرة صناعة الموت، فإن محاكم سوريا التي تنتج الموت علامة على العصر العربي الراهن، وجرينوار سوريا الذي تهرطق مريدوه وألهوه وجعلوه في مقام الربوبية سيكون علامة على عصر الرؤساء المخلوعين، وسأغامر بالقول بأنه بعد عقود من الآن سنبقى نذكر الربيع العربي عبر عنوان سوريا أولا، لأنه ما زال في جعبة سوريا الكثير من الموت وفائض من الدم
نقلا عن صحيفة القدس العربي 

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

حتى الحمير والبغال مستهدفة...............................................................د. محمد صالح المسفر


(1) المصائب تتكاثر على امتنا العربية والاسلامية حتى الطبيعة قست علينا، قحط وجوع ومرض يجتاح عرب ومسلمي افريقيا، سيول وعواصف وزلازل تجتاح ديار المسلمين في اسيا، في العالم العربي ظلم واستبداد وقتل وسحل وفتن وحروب واهانة لكرامة الانسان ترتكبها بعض نظم الحكم في هذه البقعة الطاهرة من الارض ضد الانسان وحتى الحيوان. يقول اصحاب الفتاوى لاننا ابتعدنا عن الله فسلط علينا قوته التي لا تقهر. اذكّر اصحاب الفتاوى السلطانية، اننا في رمضان والاشهر الحرم بالكاد نجد موضع قدم في الحرمين الشريفين والمسجد الاقصى والنجف وكربلاء والازهر والاموي وغيرها من اماكن العبادة الصغيرة منها والكبيرة، اسمع وأرى الكثير منا يجهشون بالبكاء من خشية الله وأرى ابصارهم شاخصة الى السماء رجاء في الله وطمعا في رحمته وكلنا نطلب من الله ان يعاملنا برحمته لا بعدله كل ذلك ينبئ بقربنا الى الله فلا تقولوا يا اصحاب الفتاوى اننا ابتعدنا عن الله.
( 2 )
في سورية الحبية كارثة عظيمة لا تضاهيها كارثة الا في اليمن الشقيق، في (سورية) حرب غير متكافئة بين الشعب وجحافل السلطان الحاكم في دمشق، انني لا اشكك في وطنية الرئيس بشار الاسد ولا في بعض مساعديه لكني اؤكد بانهم مصابون بعمى البصر والبصيرة فيما يجري في بلاد الشام لان تقارير اصحاب المصالح مضللة تعمي الافئدة والابصار. لماذا اللجوء الى القوة المسلحة لاخماد الشعب المطالب بالحرية والعدالة وتحريم الاستبداد. يقولون: ان سورية مستهدفة من قبل قوى اجنبية، وسؤالي لماذا لا نضيع الفرصة على تلك القوى باجراء اصلاحات فورية مثل حل البرلمان وحل مجلس الوزراء وتكليف حكومة انتقالية نزيهة تتكون من شرفاء سورية الذين لا شبهات حولهم، تعد تلك الحكومة لانتخابات برلمانية خلال فترة زمنية معينة باشراف قضاء نزيه، ومؤسسات المجتمع المدني السوري ومراقبين عرب. في مثل هذه الازمات الحكومة لا تحتاج الى حوار مع النخب السياسية، انها تحتاج الى قرار فوري بالاصلاح والاستجابة لمطالب الشعب. نريد تذكير القادة في سورية بان الدستور عدل في اقل من ربع ساعة لتولية بشار الاسد مركز الرئاسة خلفا لوالده وهذا في حد ذاته مخالفة دستورية لان النظم الجمهورية ليست وراثية، لم يحتج احد الى تشكيل لجان وخبراء لتعديل الدستور. وأحد مطالب الشعب اليوم تعديل الدستور او بضع من مواده.
(3)
الله اكبر يا حكام سورية الحبيبة، هل انتهت مهمتكم الى ان تقاتلوا حتى الحمير والبغال، رأيت على التلفاز ولم اصدق عيني جحفلا من المرتدين الزي العسكري يصف مجموعة من الحمير والبغال ويجري تفتيشها وهي عارية ثم يطلق على تلك الكتيبة من الحمير والبغال الرصاص الحي بهدف القتل، وسؤالي هل كانت تلك الحمير والبغال تسير في مظاهرة تطالب باسقاط النظام في دمشق، هل كانت تلك الحمير والبغال التي قتلها مسلحو النظام امام عدسات التصوير قد انضمت الى جماهير الشعب في الاحتجاجات المطالبة بالاصلاح، وهل كانت تتلقى معونات من دول اجنبية؟ يا للهول يا دمشق! ان ينزل مستواك الى مواجهة حتى الحيوان. الحمير والبغال تصدت للقوة العسكرية المسلحة من قبل النظام في المعركة غير المتكافئة بصمتها الرهيب وبعدم المقاومة ولم يسلم من كتيبة الحمير في تلك المعركة الا حمار واحد لاذ بالفرار. وفي اعتقادي ان الاجهزة الامنية السورية راحت تلاحق ذلك الحمار الفار خشية ان تكون لديه اسرار التدخل الاجنبي في سورية بهدف اسقاط النظام.
( 4)
في اليمن حرب شنها يوم الاحد الماضي حرس جمهورية عبد الله صالح وورثته وضعاف النفوس من افراد الحزب الحاكم مستخدمين اسلحتهم الخفيفة والثقيلة ضد متظاهرين سلميين في صنعاء ومدن اخرى في الشمال والجنوب، الامر الذي ادى الى مقتل اكثر من ثلاثين شخصا ومئات من الجرحى، جراحهم خطيرة كما تقول التقارير الواردة من صنعاء، فقط لانهم ساروا باعداد اكبر من الاعداد في الايام السابقة مطالبين باسقاط النظام ومناشدين دول الجوار بعدم مساندة ومناصرة عبد الله صالح وحكومته التي لا مستقبل لها في اليمن، وناشد المتظاهرون العالم بنصرة هذا الشعب المطالب بالحرية والانعتاق من عبودية الحاكم المستبد. وسؤال كل حر في هذا العالم الا يتعظ انصار الحاكم في صنعاء بما جرى ويجري في مصر مع حكومة وانصار حسني مبارك وحزبه؟ لماذا لا تعلن القوى السياسية التي عملت وما برحت تعمل تحت راية جمهورية صالح وعائلته بالانضمام الى الشعب فورا واسقاط النظام من اجل انقاذ انفسهم من المساءلة في قادم الايام. نريد جيش اليمن الابي ان يكون حاميا للوطن وسيادته وليس حاميا لنظام أمعن في استبداده وطغيانه، نريد حزبا وطنيا مصلحة الامة والوطن فوق مصالح منتسبيه.
اخر القول: يا حكام الخليج الشرفاء ارفعوا ايديكم عن حماية الحكام المستبدين الطغاة، ولا تبذروا اموال الامة في حمايتهم انهم لا يستحقون الحياة لانهم ظلموا وطغوا وتجبروا وافسدوا في الارض.

الجمهورية العربية الكورية وحكاية 'الحوار' الذي ذهب بأم عمرو................أحمد عمر


قبل أن أتحدث عن 'الأصلع الدجال' وهو كائن فضائي لبناني مقاوم للصدأ ومضاد للكسر والرطوبة وخال من دهن الكولسترول والكحول ويحظى بإقامة المؤتمرات في قلب السنسكريتية النابض، فيما ينفى المعارضون (تسميهم فضائيات التبن بالمعترضين تيمنا!) إلى ما وراء أعالي البحار وأسافل كعوب الجبال، وبفضل الدماء الزكية، وثلوج روسيا، نجحوا في اقامة مؤتمرهم الأول في أطراف عاصمتهم!
المعترضون البخلاء خرجوا بلاءات ثلاث فقط: لا للتدخل الخارجي (أي للجامعة العربية)، لا للطائفية أي (لشعار الله اكبر في المظاهرات) لا للعنف (ضد الحمير). وهي لاءات أصلها 'نعم' لحّنها وكتب كلماتها ' يا همَ لالي' ولا ينقصها إلا صفقة طلائعية وينتقل بعدها المؤتمر من حلبون إلى نايت كلوب صحارى.
سأذكر بأني عرضا وصيدا للخاطر، سميّت، في مقال سابق فضائيات زورية بفضائيات التبن، إلى أن ظهرت مذبحة الحمير، التي كانت كل جرائمها أنها تحب التبن. وصف معارض مقيم في الخارج الضحايا بأنها قتلت 'بدم بارد'! وقد ركزت فضائية الإخبارية على حوارات حلب الاكاديمية وتردي التعليم والتجهيل، حتى أن احد الأساتذة قال بأنه منذ عشرين سنة وهو يكرر ملاحظته هذه! وأظهرت الفضائية - بدون مونتاج - وكأن الحوار الأكاديمي هو أعلى سقف ديمقراطي في التاريخ العالمي الكوني المعاصر! الجهل نجده في سؤال خريج جامعي من كلية الآداب قال: كنت حتى البارحة افهم من وصف القتل بدم بارد بأنه الحقن بحقنة فيها دم بارد في جسد الضحية فتموت بالجلطة الدموية!!
'معركة الحمير' ذكرت البعض بمشهد قتل الحاكم بأمر الله الفاطمي للكلاب ومشهد قتل الكلاب في رواية خريف البطريرك، بفتوى من الإمام مالك ترخص قتل الكلاب لمصلحة!! في الفلم المهرب، يظهر جند بواسل، كماة، مدججين، مقاومين وممانعين من كوريا العربية وهم يجمعون الحمير ثم يعرونهم من السروج والسرابيل (للإذلال) ثم يبدأ الطعن من الظهر! والحمار، أعز الله هتلر وستالين ومن سنّ سنتهم واهتدى بهديهم من الإخوة العرب إلى يوم الدين، وهو الذي بنى الحضارات كما يقول المؤرخون، فالحصان كان بطل الحروب أما الحمار فهو بطل السلام على الأرض (إلى جانب الحمامة في السماء) فهو الذي كان يكتشف أسهل الطرق والدروب بين السهول والجبال الوعرة، وحاليا، يساعد الحمار مع العنكبوت والضفادع في كشف الزلازل قبل وقوعها، كما يساهم في الثورات وفي ربيع العرب وما اجتماع كتيبة الإعدام عليه إلا دليلا على صحة هذا الرأي؟ لكن الحمار، اعز الله جميع الطغاة العجم والعرب، هو الكائن الوحيد الذي يصعب الانتقام منه، أو أن الانتقام منه لا يشفي غلا ولا يبل صدى، إن لم يزده! توقع كاتب هذه السطور نشوء صفحة فيسبوك باسم: الحرية في زمن الحمير، أو إنهم يقتلون الحمير، أو أنا والحمار وهواك، أو لا تبكِ يا حمير العمر... لكن توقعاته ذهبت سدى.
يحكى أن سائقا محترفا من معارفي صدم حمارا فضحك الجميع عليه، وحتى الآن لا نعرف سبب تعرض الحمير إلى الإعدام في الفلم المذكو (الذي لم ثتبت صحته بعد من جهة مستقلة!) وقد يكون مفبركا مثل أسطورة الأمن والاستقرار، ولأننا ديمقراطيون سنعرض الافتراضات التالية وللقارئ اختيار ما يريد:
إنها حمير متآمرة و'وقع عليها الحد' - لأنها شاركت في مظاهرة من غير ترخيص - لأنها رمز الحزب الديمقراطي الأمريكي - لأنها حمير مندسة - لأنها ترفض الحوار تحت سقف الوطن - لأنها تشارك المهربين في تهريب الصور ومدمنة على 'الحشيش' وحبوب الهلوسة - لأنها عطلت الدستور و أكلته اكلأ لما ... لكن يرى آخرون أن عقوبة الإعدام كانت قاسية، ولو حدثت الحادثة في دولة أوربية متحضرة لخرج الشعب يريد إسقاط النظام. العقوبات المقترحة غير الإعدام هي:
عقوبة التعزير بوضعها في السجن - استخدامها في كسر الحصار بتهريب الكومبيوترات على ظهرها- إخراجها في مسيرات مؤيدة... تحت شعار 'الحوار كله مسرح'. المشهد عموما يذكر بقول الشاعر:
إذا ذهب 'الحوار' بأمّ عمرو... فلا رجعت ولا رجع الحوار
شرح الكلمات الصعبة؛ أم عمرو: الحرية. والقصة راويها الجاحظ وهي من أعجب قصص العشق القاتلة ويمكن للقارئ الرجوع إليها وسيستمتع بها، القصة مكفولة مدة سبع سنوات، والمدة المثالية أربع سنوات لدورتين فقط. حسب الدستور القادم بعون الله تعالى.الأشقر الدجالوهو غير الأصلع الدجال وكلاهما من سحرة الكلام، و لهما قدرة تحويل البحر إلى هريسة، وقد زعم الأصلع الدجال أن قطر - التي وصفها بأنها كرّ 'ولد الحمار' يجرّ جملا مثل تركيا - أنشأت مدينة هوليوودية بقياس 40 الف متر مربع تشبه الحارات السورية لتمثيل مظاهرات. ولا ادري بأيهما افرح؟ بحنجرة الأشقر الدجال أم بأناشيد زميله الأصلع الدجال. وكلاهما من كبار طباخي نظرية المؤامرة.
كانت فضائية الإخبارية تعدّ قبلات اردوغان لوزراء الدول 'الرجعية' التي ليس فيها دساتير مثل قطر والبحرين (بريطانيا أيضا ليس فيها دستور أيضا!) لكنه قبّل أيضا رئيس الوزراء الثوري عصام شرف قبلات حميمية؟ ومن مفارقاتها وزميلاتها من فضائيات التبن، قولها في شريط إخباري عاجل: سوريا تتعرض لمؤامرة كونية (أي من المجموعة الشمسية بما فيها كوكب عطارد ومجرة درب 'الدبابة').. ومن مفارقاتها: أن الدولار يصمد أمام الليرة؟ فذكرني الخبر العاجل بنكتة النملة التي قالت للفيل: الجسر يهتز تحت أقدامنا! مع إقرارنا بأن الفيل كائن يسري عليه ما يسري على الحمير والطغاة.
ومن مفارقاتها أنها عابت على السفراء الأجانب تعزيتهم بغياث مطر التي تكرمت 'الدنيا' ووصفته بالمرحوم من غير أن تشير إلى طريقة موته؟ والجهة التي 'موتته'؟ فالمفروض برأيها أن تعزي بضحايا الحان الوداع؟ ومن المفارقات أن يتساوى عدد قتلى الحان الوداع مع مدفوني الحدائق مساواة 'مطلقة'؟

اسعد أبو خليل في العالم سررت بزيارة 'الجزيرة' لبطريريك اليسار الأخير اسعد أبو خليل، سرورا اقل من سروري بتصريحات البطريرك بشارة الراعي التي طرت بها فرحا (وهذا يعني أني اصولي مثله). أبو خليل يذكرني ب'السنفور غضبان'، من جمهورية السنافر الاشتراكية اليسارية الخيالية التي ابتدعها الرسام البلجيكي بييو كوليفورد. أبو خليل لا يرضى بغير تغيير العالم 'على الأقل'!! يستمتع كاتب هذه السطور بجملة الرفيق السعيد ذو الرأي 'الرشيد'، وبالمعرفة الكمية في مقالاته اللبنانية.
اما الفرق بين المكتوب والملفوظ 'الملحن' فلعل سببه عنصرية الفينيقية اللبنانية التي تجلت يسارا، أو عدوى الصهيونية العنصرية، وكلاهما يشبهان اليوراانيوم غير المنضب. الحق أن بطريرك اليسار العربي، يذكرني بكل السنافر: سنفور مفكر ، وسنفور مقاوم، وسنفور حالم، وسنفور مناضل وبابا سنفور . .وخذ ثلاثة أنفاس معسل منضب أما سنفور أخضر، صاحب النظرية الخضراء فلا يزال يقول: أنا معي 'الملايين'، وهي ملايين ربحها من ريع كتابه: الأرض الأرض، الجحر الجحر، .. وغب عن الوعي أربعين سنة، بوعزيزي القارئ!كاتب من كوكب الأرض
qma
qpt

الليل السوري الطويل......................................................الياس خوري



بعد اكثر من ستة أشهر على اندلاع الثورة السورية، وبعد سيل التضحيات التي قدمها ابناء الشعب السوري وبناته، لا بد من ان نطرح السؤال المؤجل على القوى السياسية السورية المعارضة.
وسؤالي ينطلق من حقيقة يعرفها الجميع، وهي ان الثورة السورية كغيرها من ثورات الشعوب العربية لم تكن نتيجة عمل تراكمي قامت به احزاب المعارضة. فهذه الأحزاب ومعها الشخصيات الثقافية المستقلة فوجئت بالثورة مثلما فوجئ بها نظام الاستبداد. الثورة جاءت من وعي تشكّل في مكان عميق من العقل والوجدان الشعبيين، وهو مكان لم يعد قادرا على تحمّل او فهم دواعي استمرار الاستبداد المستفحل منذ اربعة عقود. لا يمت هذا المكان بصلة الى نوع النقاشات السياسية التي احترفتها الأنظمة ونجحت في جر المعارضات اليها، وهي نقاشات تتناسى استباحة كرامة الانسان، وتدعي انه لا بد من استمرار الاستبداد كي لا تنهار 'الممانعة'، او كي لا تقفز التيارات الأصولية التكفيرية الى السلطة، او تفاديا لحرب أهلية طائفية.
شباب الثورات العربية ذهبوا الى الأسئلة الأولى، وجعلوا من بديهيات الحياة شعارات لثورتهم، بدأوا بالحرية والكرامة، واعلنوا ان الاستبداد الذي خنق المجتمعات وحطمها، يجب ان يتهاوى، كشرط اولي من اجل ان يبدأ النقاش حول المستقبل.
لكن الثورات العربية لم تأتِ من الفراغ، فتضحيات اجيال من المثقفين والمعارضين، وشجاعة الذين قاوموا البغي والطغيان وهم يواجهون القتل والسجون والمنافي شكلت الخلفية التي بنى عليها جيل جديد من المناضلين افق الحرية الذي تعمد بالدم.
يشير هذا الواقع الى حقيقة لا بد من الاعتراف بها، هي وجود فراغ سياسي كبير لا تستطيع المؤتمرات التي تعقد في الخارج او الداخل، والمجالس التي تشكل على عجل تعبئته. فواقع الحركة السياسية يشير الى ان احزاب المعارضة وقواها، في الخارج والداخل، لا تستطيع ان تتصدى لقيادة تحرك شعبي هو عبارة عن انفجار اجتماعي لا سابق له.
فهذه الاحزاب والقوى، نتيجة القمع الوحشي الذي تعرضت له خلال عقود، ليست مؤهلة لقيادة هذا النوع من التحرك، كما انها لا تمتلك الادوات الفكرية او التنظيمية لقيادة ثورة شعبية تتعرض لأبشع وسائل القمع واكثرها همجية.
من جهة اخرى افرزت الثورة السورية شكلها التنظيمي الخاص بها، الذي اطلق عليه المناضلون والمناضلات اسم التنسيقيات. وعلى الرغم من ان هذا الشكل التنظيمي يبدو غير واضح الملامح، بالنسبة للمراقبين والمتابعين والمتعاطفين عن بعد، غير ان هذا الشكل التنظيمي الجماهيري، اثبت قدرته على قيادة التحرك وتنظيم المظاهرات في اصعب الظروف التي يمكن لأي ثورة شعبية ان تمر بها.
ما تشهده سورية ليس قمعا، بل هو مسلسل كابوسي لا سابق له، حيث يجتمع القتل بالتعذيب بالعقوبات الجماعية، وتجري تغطية الجريمة عبر استخدام مركّب تضليلي قرر ان المتظاهرين والمحتجين هم عصابات مسلحة!
في هذا المناخ الرهيب، لا بد ان يثير الصمود الشعبي والاصرار على مواجهة آلة الموت بصرخة الحرية اعجاب الجميع. فلقد اثبت الشعب السوري في ثورته انه الأكثر شجاعة، وانه يستحق دوره الطليعي في العالم العربي بجدارة.
غير ان البطولات يجب ان لا تحجب واقعا بدأت يشكل عبئا على الثورة. وانا لا اقصد هنا الناشطين السوريين الذين يتحركون في العالم من اجل دعم الثورة، فهذا حقهم وواجبهم، لكنني اسمح لنفسي بالتنبيه الى ان هناك فرقا يجب ان يكون واضحا بين دعم الثورة وقيادتها. قيادة الثورة لا يمكن ان تسقط بالمظلات، القيادة هي فعل تراكمي، يصنعه الشعب من خلال الاشكال التنظيمية التي استنبطها، ولا يحق لأحد باسم دعم الثورة فرض قيادة عليها من خارجها.
وكي اكون واضحا فان ما يجري على المستوى التنظيمي في الخارج ليس ناضجا، وهو بالتالي عاجز عن انتاج تشكيلة تقود الثورة وتمثلها، وان المطلوب هو العودة الى قاعدة الثورة، والعمل معها من اجل انتاج مرجعية سياسية واخلاقية.
الخطوة الأولى يجب ان تكون انتاج هذه المرجعية، كي تكون اطارا لتفاعل التنسيقيات، وخطوة تمهيدية لاعلان تشكيلة سياسية تكون مهمتها قيادة سورية من الاستبداد الى الديمقراطية.
الأصدقاء في داخل سورية وخارجها، يعرفون ان مرجعية هذه الثورة موجودة في سورية، وان المطلوب هو تجاوز الخلافات القديمة، من اجل بلورة برنامج واضح المعالم، يبدأ من نقطة الاجماع الوطني حول اسقاط النظام الاستبدادي، ويبلور ملامح المرحلة الانتقالية الى الديمقراطية.
المرحلة جديدة بشكل كامل، وعدم قدرة رموز المعارضة السورية على تفهم واقع ان اسئلة الماضي مضت الى غير رجعة، تعني شيئا واحدا، هو ترك الثورة السورية في عتمة المجهول.
ان تشكيل هذه المرجعية بوصفها جزءا عضويا من تنسيقيات الثورة السورية، يسمح ببناء تفاعل صحي مع قيادات الخارج من اجل بناء اطار لمجلس وطني سوري، يلعب دوره في حشد الدعم والتأييد وبناء مصادر استمرار الثورة حتى اسقاط النظام.
شباب الثورة السورية يعرفون ان هذا الليل السوري الطويل لن ينجلي بسرعة، وان امامهم مهمات شاقة وتضحيات كبرى، لكنهم يعرفون ايضا ان لا عودة الى الوراء، وان لا خيار امامهم سوى مواجهة العتمة بالصمود والتحدي والتفاؤل.
الثورة لا تنتظر احداً، لكن على القيادات الديمقراطية السورية ان تعي ان التاريخ لا ينتظر، وان عليها اليوم بلورة مرجعية اخلاقية وسياسية تساهم في بناء افق التغيير.

الاثنين، 19 سبتمبر 2011

قناة 'الدنيا' الموسكوفية..................صبحي حديدي



خطاب الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف عن الإنتفاضة السورية، واستسهاله إطلاق صفة 'الإرهابيين' على بعض المتظاهرين، واستنكاره عزوف المعارضة عن الحوار مع النظام، يذكّر المرء بمفردات الحرب الباردة، حين كان القاموس أشبه بطبول تهدّد بالويل والثبور وعظائم الأمور، لكنها في نهاية المطاف لا تقرع إلا اللغة الخشبية التي تجرّدت من الدلالة، ولم تعد تكترث بتظهير أيّ معنى. وهكذا وجدتني أنساق إلى زيارة واحد من أشهر المعاقل الإعلامية والدعاوية في تلك الحرب، وأعرقها تاريخاً، وأغربها مآلاً: صحيفة الـ 'برافدا' الروسية.
.. أو ما تبقى منها الآن في الواقع، إذا كان قد تبقى فيها شيء من أعراف ماضيها الزاخر الحافل!
ذلك لأنّ زائر موقع الصحيفة على الإنترنيت، في الطبعة الإنكليزية، سوف يجد التالي على الصفحة الأولى: في الخبر الرئيسي تقرير عن ثقة الروس بالمواهب العقلية والسياسية والفلسفية لرئيسهم الراهن، وآخر عن قيام الحلف الأطلسي بتشديد الخناق على روسيا، وثالث عن إخفاق الغرب في ليبيا، ورابع عن رغبة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في تدمير صربيا، وخامس عن ساره جيسيكا باركر... الزائر يلاحظ، أيضاً، طغياناً غير عادي للموضوع الليبي، ومن زاوية تمتدح نظام العقيد معمر القذافي، علانية أو استبطاناً، حتى يخال المرء أنّ الـ'برافدا' هي الملحق الروسي لصحيفة 'الزحف الأخضر' الليبية، أيام اللجان الثورية!
أمّا أذا تصفّح المرء المادّة المخصصة للشأن السوري، فإنّ الـ'برافدا' تنقلب إلى طبعة موسكوفية من قناة 'الدنيا' السورية، فلا تغيب أخبار المندسين والعصابات المسلحة والإرهابيين، ولا تعدم محللاً أريباً يحذّر الكرملين من مغبّة التهاون مع 'العرعوريين' في صفوف المعارضة السورية، كما لا تفتقر أعمدة الصحيفة إلى الـ'منحبكجية' على الطريقة الروسية. على سبيل المثال، يرى سيرغي بالماسوف أنّ ردّ الفعل الحادّ الذي صدر من الغرب ضدّ بشار الأسد كان ناجماً عن 'حقيقة أنّ الأسد، في سعيه إلى تصفية الإسلاميين، أدخل المزيد من قوى الأمن والدبابات إلى شمالي درعا في بلدة نافا والمنطقة الحدودية مع لبنان في مقاطعة تل كالاح غرب حمص'!
وإلى جانب عدم اهتمام هذا المحلل العبقري بتدقيق أسماء بلدات نوى وتل كلخ، أيّ سخف في الزعم بأنّ الغرب غاضب من الأسد، دفاعاً عن الإسلاميين! وأيّ سماكة دماغ في مساجلة بالماسوف اللاحقة، من أنّ الأسد لا يُلام في قرار نشر الدبابات ما دامت 'المعارضة ترفض السلام معه، بزعم أنه يطلق النار عليهم من مدافع الدبابات. ولكن، ماذا يمكن للأسد أن يفعل سوى هذا، حين تقتل المعارضة جنوده؟'؛ أو، في 'سحبة' أخرى أين منها مآثر مذيعي ومذيعات 'الدنيا'، اتكاء صاحبنا على بيانات وزارة الداخلية السورية، لتكذيب التقارير عن مقابر جماعية، وللردّ على 'الحملات المغرضة' التي تشنها قناة 'الجزيرة' وسواها.
هل هذه هي الـ'برافدا'، دون سواها؟ كلا، بالطبع، ومن العبث أن يبحث المرء فيها عن رسوبات باقية من أيام زمان، ليس لأنّ العالم تبدّل في روسيا، وحيثما توزّع هذه الـ 'برافدا' الجديدة، فحسب؛ بل لأنّ المعارك المالية والقانونية الشرسة التي توجّب أن تُخاض من أجل بقاء الصحيفة واستمرار الاسم ذاته اقتضت مثل هذه الخيارات في التحرير، وفي الخبر والرأي والتغطية. ومن الإنصاف القول إنّ قلّة قليلة فقط من أهل الحنين إلى الماضي والمتباكين على الأطلال هم وحدهم الذين يعيبون على هذه الـ'برافدا' أنها لم تعد تمثّل تلك الـ'برافدا'.
المرء، من جانب آخر، لا ينصف هؤلاء أنفسهم إذا لم يتفهم الأسباب العميقة، الوجدانية والتاريخية والعقائدية، التي تدفعهم إلى مقدار هائل من مشاعر النوستالجيا كلما قلّبوا صفحات الجريدة الراهنة، فلم يجدوا فيها ما هو أشدّ جاذبية للقرّاء من طرائف هذا المحلل الشبيح. ذلك لأنّ الـ'برافدا' التاريخية لم تكن محض صحيفة سياسية، بل كانت أشبه بسجلّ وأرشيف وخزّان ذاكرة، سيما عند أولئك الذين ما تزال حميّة الماضي تغلي في عروقهم. ولعلّ الصحيفة عرفت من المصائر المتقلبة مقداراً يكاد يفوق ما عرفه الحزب الشيوعي السوفييتي ذاته، وحين كانت أرقام توزيعها تتجاوز 11 مليون نسخة يومياً، كانت مصداقية الصحيفة تهبط إلى الحضيض في يقين الرأي العام، وكانت تحكمها علاقة تناسب معاكسة: كلما طبعت المزيد من النسخ، ازدادت الهوة بينها وبين الشارع. والمرء يتذكر أن الإعلام الرسمي السوفييتي كان يتوزع على صحيفتين أساسيتين: 'البرافدا' (أي: الحقيقة) و'الإزفستيا' (أي: الخبر)؛ وأمّا النكتة الشعبية، الذكية والصائبة تماماً، فكانت تقول: في الـ'برافدا' لا يوجد 'إزفستيا'، وفي الـ'إزفستيا' لا توجد 'برافدا'. والترجمة: جريدة الحقيقة لا تنطوي على الخبر، وجريدة الخبر ليس فيها حقيقة

الجمعة، 16 سبتمبر 2011

بعد ستة اشهر على انطلاق ثورة الكرامة ... لا بد ان نتذكر فنان الثورة الاول سميح شقير ..


يبدوا ان المارون على تاريخنا ليسوا فقط من احتل ارضنا وانما من احتل تفكيرنا وعقولنا وحقوقنا ........


الانتفاضة السورية عند المنعطف الأخطر




هناك نذر لخطر كبير على الانتفاضة الشعبية في سورية. فالنظام على وشك أن يبدأ تنفيذ خطة قمع واسعة مهّد لها بإعلان التعبئة العامة والاستعداد لحملة تشمل خمساً أو ست محافظات باتت معاقل للحراك الشعبي. وما دعاه إلى رفع درجة الاستشراس الأمني - «الشبّيحي» أنه، أولاً، يريد الانتهاء من هذه الأزمة التي ألحقت أضراراً ملموسة بهيبته ومكانته الإقليمية، كما أنه تلقى عملياً إنذاراً روسياً بأن أمامه فرصة أخيرة ليثبت سلطته بشكل واضح ونهائي وإلا فليستعد للرحيل. ولعل النظام فهم شعار «حماية المدنيين» الذي رفعته الانتفاضة في الجمعة الأخيرة، مرفقاً بطلب مراقبين دوليين، باعتباره خطوة تمهيدية لشعار لاحق قد يتضمن دعوة صريحة إلى «التدخل الدولي».

فالشعب الذي نجح في انتفاضته بفضل إصراره على سلميتها لا يزال يرفض «عسكرتها» لكنه يجد نفسه بلا خيارات للدفاع عن النفس مع ازدياد احتمالات إقدام النظام على مجازر أكبر من التي ارتكبها حتى الآن. ثم أن الانشقاقات عن الجيش لن تعني شيئاً إذا لم تقترن بمشروع مواجهة تتطلب بلورته وقتاً لن يتيحه النظام ودعماً لا يبدو أن دول الجوار في صدد توفيره. ويعتبر «اعتقال» المقدم المنشقّ حسين هرموش إنذاراً لجميع المنشقّين، إذ أن جهازاً استخبارياً أوقعه في فخّ، أي أنه سُلّم تسليماً. وفيما أصبح الجنود الفارون أهدافاً مستجدّة ذات أولوية للقتل، لوحظ أخيراً أن الاعتقال بغية التعذيب والتصفية الجسدية بات متقصداً ومنهجياً، بالاستناد إلى التفاصيل المفزعة لما تعرّض له الناشط غياث مطر وقد عُرف عنه في داريا أنه كان يقدّم وروداً إلى الجنود في بدايات الانتفاضة.
وهكذا قد يجد الداعون في عواصم العالم إلى وقف «فوري» للعنف والقتل أنهم إزاء ظاهرة لم يتعرفوا إلى كل أبعادها. أما القائلون بإن النظام وصل إلى خط النهاية في «الحل الأمني» فربما يفاجئهم إمعانه في التجذّر في «ما بعد بعد» العنف الذي بدر منه حتى الآن. وما اضطر الانتفاضة إلى صرخة «حماية المدنيين» إدراكها أن البطش الآتي قد يكون بالغ الكلفة وفوق الاحتمال. فرغم أن التظاهرات لا تزال تخرج وتتحدّى النظام، إلا أن الصعوبات زادت وهي مرشحة لأن تزداد أكثر فأكثر. ولعل ما يضغط حالياً على معنويات الانتفاضة أن الذين يتعرضون لخطر الموت في الداخل يشعرون بأن النظام لم يعد يلوّح بأي استعداد للتخلي عن العنف بل صار يستخدم تمترسه فيه لحمل من يحاولون التوسط معه على تبني حلوله «السياسية». وثمة اعتقاد بأنه استطاع، مرتكزاً إلى الدعم الروسي المطلق، إعادة إقناع بعض داعميه الإقليميين والدوليين بأن الحل يكون تحت مظلته أو لا يكون أبداً، وأن عليهم أن يختاروا نهائياً بينه وبين «نظام ديني» يمكن أن يخلفه. أما دليله إلى ذلك فليس فقط رواياته عن «العصابات المسلحة» ولا تحذيره الوسطاء من «الانسياق وراء حملات التضليل الإعلامي والتحريض على سورية»، وإنما خصوصاً الاضطراب والبلبلة اللذين يسمان السعي إلى توحيد معارضتي الداخل والخارج وكثرة الأيدي والأطراف المتدخلة من دون نتائج جادة. ويعرف النظام الشيء الكثير عن هذه العملية لأنه أول وأكبر المتدخلين فيها سواء بشكل مباشر عبر عدد من «وجوه» المعارضة أو غير مباشر عبر وجوه غير معروفة، فضلاً عن أنه اختبر خلال الأزمة قابلية بعض الفئات للدخول في مساومات خصوصاً في حقبة الإطلالة التركية على الأزمة.

في النهاية قد يكون الأمين العام للجامعة العربية وصل متأخراً إلى دمشق، لا لأن الزيارة عوّقت أولاً ثم قبلت ثم أرجئت إلى أن حصلت، بل لأن ظروف الحدّ الأدنى الموضوعية لحل يلاقي بنود «المبادرة العربية» قد تبددت. فـ «الوقف الفوري لكل أعمال العنف ضد المدنيين» و»تعويض المتضررين» و»إطلاق جميع المعتقلين السياسيين» تجاوزها النظام جميعاً، فهو الآن يعتبر نفسه في حرب ضد «التدخل الخارجي» ولن يقدم على أي تغيير في منهجه إلا بعد تأكيد قدرته على إسكات الشارع أو خفض صوته وشلّ حركته إلى مستوى غير معبّر. لذلك فإن البحث معه في «فصل الجيش عن الحياة السياسية والمدنية»، كما تنص المبادرة، بدا ضرباً من اللامعقول. أما إلزامه بإعلانات محددة وجدول زمني ومواصفات معينة للحكومة الائتلافية فلا يرى ما يوجبه طالما أنه يبادر زائريه بعرض مفصّل عن «الإصلاحات» التي تقول إن الأحداث تجاوزتها بينما يقول النظام أنه يوشك على إنجازها.

في ضوء التطورات والحال النفسية المهتاجة للنظام وجد نبيل العربي أنه ملزم بطمأنة الرئيس بشار الأسد إلى أن «التدخل الخارجي» في سورية ليس على جدول الأعمال العربي. أما قوله إنه «اتفق» مع الأسد على «سلسلة إجراءات» فيذكّر بخيبة الأمل التي أعقبت «اتفاقات» ظن وزير الخارجية التركي أنه توصل إليها، ثم أنه قد يحمّل العربي والجامعة قريباً مسؤولية «شرعنة» العنف الآتي. إذ لا يعقل أن تكون هناك «إجراءات» فعلاً وأن يكون الرئيس السوري انتظر الأمين العام للجامعة ليتفق معه في شأنها. ذاك أن جميع الذين حاولوا التوسط مع النظام لم يتمكنوا من إقناعه بوقف القتل. وفي البداية كان الوسطاء يسمعون كلاماً هادئاً عن «الإصلاح» مرفقاً بتصميم عالي النبرة على ضرب «العصابات» وبالأخص السلفيين. وفي الأسابيع الأخيرة بات التصميم على العنف هو المتصدّر طالما أن «المؤامرة» تريد إطاحة النظام ولم تعد تسأل عن الإصلاح. وهذا على الأرجح ما سمعه الأمين العام للجامعة.

واقع الأمر أن النظام عقد رهانه على روسيا، فهي الوحيدة المؤيدة للنهج الأمني بصرف النظر عن الكلفة البشرية، لكن بشرط أن «ينجز» على نحو حاسم ونهائي. ولذلك فإن موسكو ستتكفل بتأمين هذه الفرصة الأخيرة له عبر رزمة حلول «سياسية» ستعمل على ترويجها شراءً للوقت ولهدنة دولية غير معلنة. ورغم أن «المبادرة العربية» لم تصغ بذهنية «إسقاط النظام»، إذ لحظت انتخابات رئاسية بعد انتهاء ولاية الأسد سنة 2014، إلا أن تنفيذها يفضي بالضرورة إلى نظام آخر حتى قبل تلك الانتخابات. ومع ذلك يصعب الاعتقاد بأن الأسد يمكن أن يتعامل مع هذه المبادرة ما دامت موسكو تضمن له صفقة أفضل. لكن النظام يعرف، بمعزل عن الجامعة العربية أو روسيا أو سواهما، أن مشكلته لم تكن مع الخارج لذلك تبقى أولويته تصفية الحساب مع الانتفاضة دموياً، فهو يعتقد أن هذه وحدها يمكن أن تؤمن له مقداراً مريحاً من البقاء والاستمرارية، بل يرى حالياً أن هناك ظروفاً تجعلها ممكنة.

نقلا عن "الحياة" اللندنية