الأحد، 16 أكتوبر 2011

سوريا الثورة.. وسوريا المعارضة

 د.وائل ميرزا
سوريا الثورة إبداعٌ إنسانيٌ فريدٌ يُعبّر عن أسمى مكونات الإنسان على مستوى الفرد والجماعة. ظاهرةٌ تُعيد تذكير البشرية جمعاء بإمكانية وجود نمطٍ من الفعل الاجتماعي النبيل الذي ضاعت كثيرٌ من مظاهره في ضجيج الحياة المادية الطاغية المعاصرة. ونموذج قد يطمح لتحقيقه كل شعبٍ يتوق للحرية والكرامة، وكل أمةٍ تريد أن تبدأ فصلاً جديداً من فصول وجودها على هذه الأرض.
سوريا الثورة قصةٌ تُثبت قدرة الشعوب على استعادة أرقى مكونات تاريخها الحضاري من أعماق التحدي الكبير الراهن، والمضي قدماً نحو احتلال دورها اللائق بها في التاريخ المعاصر. فالقول إن الشعب السوري ابن حضارة عريقة تمتد آلاف الأعوام ليس مجرد شعارٍ كانت ترفعه الحكومات الجائرة على سبيل الفخر والادعاء الكاذب، ولمجرد نسبة الفضل وتجييره إليها كسلطة سياسية كانت في الحقيقة عصابةً تريد أن تحتكر التاريخ، كما حاولت أن تحتكر الحاضر والمستقبل. بالمقابل، أثبت الشعب السوري من خلال ثورته وكل ما قدمه فيها وأظهره من ممارسات إنسانية أنه تمكّن حقاً من استخراج المعاني الحضارية الكبرى في ذلك التاريخ الطويل، وأنه يمارسها على أرض الواقع في كل مجال، وأنه يُصرّ على توليد سوريا الجديدة من خلال تلك الممارسات، بحيث تصبح المعاني المذكورة ملامح سوريا المستقبل. إنها ولادةٌ جديدةٌ تماماً تستجيب بكل طلاقة لمتغيرات الحاضر المتغير وتتفاعل مع لغة الحاضر ومفرداته، وتستعمل أدواته وأساليبه. فهي باختصار عودةٌ لدخول السوريين في التاريخ من أوسع أبوابه بعد أن وضعهم نظام البعث على الهامش خمسة قرون شوّه فيها قيمهم وألغى كمونهم الحقيقي وتراثهم الإنساني الحضاري الراقي.
سوريا الثورة حالةُ انعتاقٍ من أسر الخوف والجمود والتقليد والرضا بواقع الظلم والطغيان. والقدرة على كسر سلاسل الأوهام المادية والمعنوية، وتجنّب الغرق الدائم في مستنقعات اليأس والهزيمة النفسية والعملية. إنها إثباتٌ على إمكانية التغيير، ونفيٌ لكل الأوهام التقليدية حول استحالته وحتمية الاستسلام للواقع القائم بكل سلبياته ومشكلاته. إنها عملية تحريرٍ كبرى للإنسان من قيوده ومخاوفه وهواجسه الداخلية أولاً، ثم من كل ما يحسبه الناس عادةً قيوداً خارجية لا يمكن كسرها وضغوطاً لا يمكن التعامل معها، وعقبات لا يمكن التغلب عليها. تضع الثورة السورية أبناءها وبناتها أمام مسؤولياتهم، وتدفعهم دفعاً لتحملها بكل عزةٍ وإباءٍ وكرامة. تُظهر لهم الكمون الهائل الموجود فيهم من القوة والعزيمة والكرامة والكبرياء والقدرة على التحمّل والتضحية. وتريهم رأي العين كيف يمكن لكل ذلك أن يعطيهم الإحساس بأنهم يولدون من جديد.
سوريا الثورة نموذجٌ على إمكانية وجود رابطةٍ إنسانية نبيلة تجمع الناس بغض النظر عن خلفياتهم المناطقية والمذهبية والأيديولوجية، من الممكن تعميدُها بالدم والتضحيات، حول المعاني الكبرى كالحرية والكرامة. رابطةٍ يمكن لها أن تصبح محوراً لعقدٍ اجتماعي وطني جديدٍ ومتميز. تصنع الثورة إذاً واقعها الاجتماعي والثقافي الجديد المتجاوز. تُركّبُ نسيجها الفريد الذي يقفز فوق كل النمطيات القديمة والحساسيات التقليدية والانطباعات البالية التي كانت ثقافة خمسة قرونٍ من القهر والعسف والتفريق تؤكدها بين شرائح المجتمع. تكشف لأبناء الوطن حجم تقاربهم المعنوي والنفسي والثقافي تحت سقف هذا الوطن، وتخلق واقعاً مُختلفاً يربط بينهم جميعاً برؤيةٍ جديدة، تتمحور حول صناعة مستقبلٍ جديد، يصبح الوطن فيه مُلكُهم جميعاً ويصبحون شركاء فيه وفق قواعد المواطنة والمساواة وحكم القانون.
سوريا الثورة مثالٌ على الكمون الهائل لدى الإنسان، وعلى قدرته على تفجير طاقاته الإبداعية بشكلٍ غير مسبوق حين يُصبح صاحب قضية لا تشبه أي قضية. يتحدث السوريون على مدى عقود عن حجم الطاقات السورية الموجود داخل البلاد وخارجها، لكنهم لم يحلموا بأن يروا، وبأن يرى العالم معهم، حقيقة هذا الكمون وما يمكن أن ينتج عنه إلا بعد أن اشتعلت ثورة الحرية والكرامة. لا يستطيع السوريون بتركيبهم النفسي والثقافي أن يعيشوا أي نوعٍ من الشوفينية والادّعاء الزائف بعلويةٍ عرقيةٍ على الآخرين، فهذا التركيب مجبولٌ على مكونات هويتهم العربية والإسلامية والإنسانية التي كان تاريخهم مثالاً عليها. رغم هذا، يُثبتون اليوم انتماءهم لمعدنٍ بشريٍ نادر تتحدث عنه بطولاتهم وتعبّر عنه تضحياتهم وثباتهم، قبل أن يتحدث عنه الآخرون من بني البشر.
سوريا الثورة مصداقٌ على قدرة الإنسان على تجاوز (الأنا) ومشاعر الفردية الضيقة بكل مقتضياتها الأنانية والشخصية القاتلة، والالتفاف بدلاً من ذلك حول (الذات) الجماعية التي تتعاون على تحقيق الأهداف والتطلعات الكبرى. بل إن المحور الأول والأهم لها يتمثل في التخلص من عبادة الرموز والأفراد والأصنام في كل مجال. لا عودة في سوريا الثورة إلى عبادة الفرد. لا مكان فيها للأنا المطلقة التي تتمحور حول ذاتها بغض النظر عن أي مسوغاتٍ أو مبرراتٍ أو أعذار.
سوريا الثورة صورة إنسانية رائعة على تجاوز القضايا الفرعية والهامشية والجزئية، والإجماع بدلاً من ذلك على المسائل الأساسية الكبرى الاستراتيجية. لا مجال في سوريا الثورة لأي تركيز على الصغائر والخلاف على الأمور الهامشية. الصغائر للصغار في عرف الثورة ومسيرتها، وقد برهنت بنفسها أن الصغار فيها سِناً وعمراً صاروا كباراً بكل المعاني.
وأخيراً وليس آخراً، فإن سوريا الثورة برهانٌ على وجود إرادةٍ لدى الإنسان يمكن أن تكون بمثابة يقينٍ لا تزعزعه الجبال بأن تحقيق المُراد ممكن، وأن الشعب بإصراره ومثابرته وجهده وتخطيطه وصبره وعطائه قادرٌ على تحقيق ما يظنه البعض مستحيلاً. المهم أن تتوفر الإرادة وعناصرها المذكورة، وأن تتوفر معها شروط التخطيط، فيصبح تحقيق الأهداف تحصيل حاصل، ولو بعد حين.
تلك هي، بكثيرٍ من الاختزال، سوريا الثورة. والمذكورُ شيءٌ من ملامحها التي باتت واضحةً للعيان، وصارت تفرض نفسها على الجميع.
والأمل كبير بسوريا المعارضة أن تكون مرآةً لسوريا الثورة، وأن يكون المجلس الوطني السوري الذي جمع طيفاً كبيراً منها بؤرة تلك المرآة، وأن يُظهر لسوريا الثورة بالقول والفعل أن ملامحه تُشبه ملامحها إلى حدٍ كبير. ثمة شواهد توحي بذلك حتى الآن بشكلٍ أو بآخر، لكن التحدي كبير. وأكبر منه المسؤولية التي يحملها المجلس أمام الله وأمام الثورة والشعب والوطن والتاريخ.

1


الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

مذيعات ملتحيات في الجزيرة ومذيعون محجبون.............أحمد عمر


أحمد عمر
انتظرنا مع المنتظرين، تحت الشمس والمطر ووابل التبن والقنابل المسيلة للأرواح؛ تغيّر، 'أجندة' الجزيرة، لكن هذا لم يحدث. وأجندة كلمة فرنسية تعني: مفكرة، جدول أعمال خبيثة، خطط ومكايد ومؤامرات وصور مفبركة في قطر وسائر بقاع الكوكب والمجموعة الشمسية ضد قلعة المقاومة والممانعة.
أثنى الأصلع الدجال اللبناني على الجزيرة التي وقفت مع لبنان وجنوبه وشماله وغطت الحرب على غزة ومظاهرات مصر وتونس، لكن وقوفها مع المندسين السوريين جعلها صاحبة أجندة .. إنها قناة 'خائنة' الآن.
أحد الإعلاميين السوريين الذي ما إن يظهر على شاشة الجزيرة الواقعة في غرام صورته وصوته وشتائمه، حتى يطالبها بالاعتذار فورا، فهو 'الوكيل الحصري' لجباية الاعتذار، وهو أول من وصف المتظاهرين السوريين بالحثالة، وهو فصيح اللسان ينطق الكلمة اللاتينية هكذا: 'اجنضة'، حبا بلسان الضاد الذي انقلب سيفا مدة نصف قرن. وهو يلفظ الكلمة لفظا يختلف عن لفظ الفلسطيني الأبيض الشعر للكلمة نفسها، فاحمد عزام ينطقها ' أجْنِدَة' (مثل أجنحة، أفئدة، أسئلة، ..) وقد قال معاوية غفر الله له انقلابه العسكري الأسري الأول على الخلافة الراشدة، عندما بلغه موت عدوه الاشتر بالعسل المسموم المدسوس في السويق (او السويق المحلّى بالسم): أن لله 'اجنضة'، من عسل. ولله أيضا، 'أجْنِدَة' من جزيرة وعربية وبي بي سي و.. دنيا غرورة وكدابة. ثمت من يقول هذه الأيام: ان لله 'اجنضة' من نيتو واطلسي فالحنين إلى الاستعمار يزداد مع الشتاء الدكتاتوري وهوايات إطفاء الأرواح في أجساد المتظاهرين بوسائل التعذيب الابداعية. نذكر أن ثمة دعاء مأثورا يقول: اللهم ادفع الظالم بالظالم، وثمت قول مأثور يقول: أن الظالم سيف الله ينتقم به. فهل ذاك من هذا؟ مذيعات ملتحيات!توقعنا أن تصبح الجزيرة، بعد خلع خنفر عن عرشه، 'غنوة' إخبارية، يعمل مذيعوها ومذيعاتها دبكة مستمرة ليل نهار، لكن ما حصل هو أن 'الاجنضة'، لم تتغير، بل إن المذيع علي الظفيري، في برنامجه 'في العمق'، خيّب الآمال وظهر طويل اللحية، في آخر أعماق غاص فيها إلى ذقنه، غير الحليقة، مع ضيفين يمنيين، كما لا يزال احمد منصور ملتحيا ومؤذنا في العير: أيتها الدكتاتوريات، إنكم لسارقون. سرقتم صواع خبزنا وأحلامنا.. وربما يطيل فيصل القاسم لحيته وشعر رأسه، ويتحول من عازف أكورديون إلى حداد يدق الحديد على 'حالو' حتى يحن حنين الإبل .. التغير الشكلي الوحيد الملحوظ في الجزيرة هو أن مذيعتين ظهرتا بقصتي شعر جديدتين، هما ليلى الشيخلي وغادة عويس، فنعيما ووجها كريما.ليلى الشيخلي:
لم تعتذر ليلى الشيخلي - التي غيّرت أزياء فرسان العصور الوسطى إلى زي المارينز - للأستاذ 'اجنضة'، الذي طالبها بالاعتذار عن قتل الجزيرة لزينب الحصني إعلاميا مع سبق الإصرار والترصد، فهي حية ترزق، لكنها لا تزال تحت الإقامة الجبرية، أو مجهولة العنوان كما يعتقد معتقدون. لم يكن الرجل معنيا بزينب أو أهلها، وكان شريط الأخبار الزوري، يؤكد عودتها إلى الحياة، وفق تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان (لا احد يعلم من أمينها، وأين مكتبها؟) ينسب التأكيد إلى أمها، بعد أن وأدتها الفضائيات الجاهلية وأدا، لكني تابعت لقاء على قناة 'السي ان ان' مع أخيها وأمها التي كانت تشكك في صوت ابنتها المبعوثة من تحت التراب وتطالب بلقائها. من يتابع الفضائيات السورية لا يفهم شيئا من قصتها، فالقصة التي يمكن أن تصبح خبطة إعلامية، مبتورة، مليئة بالفراغات، والفجوات، غرضها أو 'اجنضتها' هو تكذيب الفضائيات وليس حياة ' بطلة' القصة المهملة، أو قصتها الاعلامية المثيرة حقا، إنها قصة بلا تفاصيل: تذكرنا بصيادي الغزلان وحيتان العنبر الذين يغنمون المسك ثم يرمون باللحم في البحر. من هم أقارب زينب؟ أخوتها لماذا يضربونها؟ هل كان أخوها الشهيد، من الذين يعذبونها؟ إعلامي سوري لمز 'الضحية' التي أتت من 'بيئات' متخلفة ( الزي الأسود، الضرب، رفض الحوار، المظاهرات.. كلها علامات تخلف..؟). الضحية برمت بكذب الفضائيات وتريد الزواج وتخليف الصبيان والبنات... وليس لديها مشكلة حريات!. ثمة من لا يزال يزعم أن قيامة زينب من الموت، وعودتها من وراء البرزخ، تتضمن 'دراما الشبيه الهندية'، وكان يمكن للفضائية السورية أن تلم شمل أقاربها وأمها وأخيها في برنامج مثل 'خبرني يا طير'. لكن الطير المزعوم من جنس الزواحف.
ثمت من لا يزال يزعم أن الزي الأسود الذي ظهرت به ، ليس زيا حمصيا، من باب السباع وباب هود (اسم الأم في بطاقة زينب غير اسم الأم في بطاقة الأخ؟) .. فيما ذهب كثيرون إلى تمني عودة حمزة الخطيب وثامر الشرعي أحياء مثل زينب، وهم كذلك، لكن عند ربهم.. يرزقون.قسوة مشتهاةفي الفيلم الذي بثته الجزيرة نقلا عن اليوتيوب، ويعتدي فيه جنود إسرائيليون على عائلة فلسطينية، لإخلاء الدار وهدمها ملاحظات: أولها أن عربا كثيرون يطمحون إلى مثل هذا الاعتداء 'الحريري'، غير القاتل. الملاحظة الثانية أن احد الجنود انتزع طفلة من 'العركة'، فراحت الطفلة تمسح رأسه، فرحة بصلعته، وكأنه جدها، أو عمها، وأتمنى على قناة ما من قنوات الله في الأرض، أن تجعل من هذا المشهد أيقونة تذاع على البطيء، مدة شهر على الأقل.أشقاء النساء وشقائهن:
احتفت قنوات لبنانية بانخراط بعض 'شقيقات الرجال' اللبنانيات في العمل في محطة وقود، كما احتفت فضائيات سورية بأول شامية تعمل سائقة تاكسي، وطهران سبقت دمشق في توظيف النساء في هذه المهنة غير السهلة، بينما لا تزال المرأة السعودية تحلم بقيادة سيارتها، من غير محرم.
أنا شخصيا ضد المساواة بين الجنسين مساواة تامة، ومع العدالة بينهما، (وبين الزوجات أيضا) وأنا مع أن تدع المرأة تكسير الحجارة وتعبئة البنزين الحارق، وتكتفي بالحرق بالومى، وان تلزم قول أبي محجن الثقفي (دعي الرماح لأهلها وتعطري).. فقد تربيت ثقافيا على صورة المرأة النموذجية: مكسال الضحى ، - للحبيبة فقط - .. البيضاء المكسال اللعوب الخريدة ... أما النساء المحيطات بي من أخوات وزميلات .. فقد زادتهن ثورة الفيمنزم شقاء، فهن يعملن عمل الرجل وعمل ربات البيت إضافة إلى إنجاب الذكور الذين ينتمون إلى امة مكسال في كل الأوقات: في الضحى والدلوك والغروب والغبوق....
طموحي الأكبر هو أن تعمل المرأة في الأمن .. أملي هو تأنيث المخابرات العربية تأنيثا مطلقا. ولا يذهبنَّ الخيال بالقارئ إلى درجة اتهامي بالمازوشية الجنسية، فانا أفضل أن يكنَّ جميعا من الأمهات، فمعظم النساء القاسيات التي عرفتهن كن عانسات. الضحية الذكر سيفضي بكل الاحلام السياسية التي حلم بها، للمخبرة، عطفا، أو كرما ، أو نخوة، أو فحولة ...!

كاتب من كوكب الأرض